[color:dcc9="Black"]دائماً ما نسمع من السادة العلماء أن الله عزَّ وجلَّ ذكر الإسراء في موضع من كتاب الله،وهي الآية الأولى من سورة الإسراء:
( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )(1سورة الإسراء)

وذكر الله عزَّ وجلَّ المعراج في أوائل سورة النجم:
( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى . مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى )(1، 2سورة النجم)
إلى قوله عزَّ شأنه:
( لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (18 سورة النجم)

ولكننا إذا نظرنا إلى كتاب الله عزَّ وجلَّ في الحقيقة،  نجد أن أول أية تتحدث عن البداية،  التي بها تَمَّ للحبيب الأعظم الإسراء والمعراج، هي سورة الشرح.
( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ  . وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ . الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ . وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) (1، 4 سورة الشرح)

إلى آخر السورة، والآية التي تتحدث عن الإسراء هي التي تليها :
( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ . وَطُورِ سِينِينَ . وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ . لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (سورة التين)

وهو الإنسان الأكمل والأعظم صلَّى الله عليه وسلَّمSad1 فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )
ولم يقل الله: في أحسن تكوين ولكن  ? فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ?، لأنه لا يوجد في الأولين والآخرين مَنْ قوَّم نفسه،وأصلح شأنه، كهادينا، ونبيِّنا ، وشفيعنا عند الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
ومن هنا قال في هذا الأمر أحمد شوقي رحمة الله عليه :
صلاح  أمرك   للأخلاق   مرجعه
فقوِّم   النفس   بالأخلاق   تستقم

أي: عليك تقويم نفسك،فبداية الإسراء هي شرح الصدر، والمسلمون لهم في الإسراء نصيبهم، والمؤمنون لهم في الإسراء قُوتهم ، والمحسنون لهم في الإسراء أنوارهم، والموقنون لهم في الإسراء مكاشفاتهم، وأهل التمكين لهم في الإسراء مؤانساتهم وملاطفاتهم  وكل على قدره ، بما يعطيه ويفيض عليه ربُّه عزَّ وجلَّ:

( وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ) (164 سورة الصافات)
وهذا شأن الملائكة الكرام، لهم مقام معلوم، لا يزيدون عليه، ولا يحصِّلون سواه، ولا يتغيَّرون عنه.( مَقَامٌ مَّعْلُومٌ )يعني ثابت ،أما نحن فلا، المؤمن ، والمحسن ، والموقن، يقول فيهم سيدي الإمام أبو العزائم رَضِيَ الله عنه:

و العارف  الفرد   محبوبٌ  لخالقه
فات   المقامات   تحقيقاً   وتمكيناً
في  كل  نَفَسٍ   له   نورٌ   يواجهه
من  حضرة  الحـــقِّ ترويحاً وتيقيناً


كل نفس له مقامات شتى ، وأنوار متباينة ، وعلوم متفاوتة ، وأحـوال متعاظمة ، ومقامات متنامية ، فلا يوجد مؤمن له مقام معلوم ثابت ، فهذا للملائكة ،لكن المؤمن في ازدياد دائم:
(لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )(26 سورة يونس)
والزيادة مفتوحة عند الله عزَّ وجلَّ، ليس لها نهاية، ولذلك فإن المؤمن لا يقف عند مقام ، ولا يجعل أمله على رتبة واحدة من مراتب الإكرام والإنعام وحسب.

ويقول الشيخ ابن عطاء الله السكندري رَضِيَ الله عنه في أهل المكاشفات :
{ السالك إذا كوشف بالحقائق، كلما همَّ أن يقف، نادته هواتف الحقيقة
لأن السالك يصل إلى مقام، لا يتعلَّم فيه من معلم ؛ ولكنه يتعلَّم من جميع الكائنات، .كلها تحدثه، وكلها تكلمه، وتوجهه، وكلها تحذره إذا كان سيقع في خطأ، أو تنذره، لأنه يكون في مقام يتلَّقى فيه من الكلَّ.

وفيه يقول القائل :{ ليس بكائن، من لم يستفد من كل كائن }


  • { السالك إذا كوشف بالحقائق ،كلما همَّ أن يقف، نادته هواتف الحقيقة لا تقف، فإنما نحن فتنة فلا تكفر، والمطلوب أمامك }



إياك أن تقف عند مقام  ، أو عند رتبة  ، أو حال  ، أو عند عطيَّة ، والسالك في طريق الله عزَّ وجلَّ وصفه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقال:
( مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ طَالبُ عِلْمٍ ،ٍ وَطَالِبُ دُنْيَا ) (1)

لا يشبع أبداً ،ولذلك فإن سيدي يحي بن معاذ رَضِيَ الله عنه، أرسل لسيدي أبي يزيد البسطامي رَضِيَ الله عنه، قائلاً:
شربت كأساً من المحبة فارتويت
فرد عليه أبو يزيد قائلاً :
شربت الحُبَّ  كأساً  بعد  كأس
فما  نفد  الشراب  و ما  رويت


فأنت شربت كأساً واحدة ، وارتويت، ولكني شربت كأساً بعد كأس، فلا الشراب انتهى، ولا أنا ارتويت
وفي هذا المقام يقول إمامنا أبو العزائم رَضِيَ الله عنه:
فمائةٌ  من  الآلاف  عشرون  بعدها
مشارب    رسل     الله     بالإجمال

فمشارب الأنبياء كم يا إخواني ؟مائة وأربعة وعشرون ألف
يقول الإمام: أن هذه البحار والمشارب
لي  قد  تجلَّت  بل  وفيَّ  قد  انجلت
فسلِّم   لنا   تحظى   بخير  وصال

إلى أن قال:
كل  البحار شربتها وحشاشتي لم ترتوي

بحار العلم ، وبحار الحكمة ، وبحار الأنوار ، وبحار الأسرار ، وبحار اللطف ، وبحار الفضل،  شربها كلها، ولم يرتو ِلمــــــاذا ؟
هكذا يكون السالك في طريق الله لأنه لو شبع سيقف، ولو ظنَّ أنه وصل، فعن مولاه عزَّ وجلَّ انقطع

لأن طالب الكمال عليه أن يقول لنفسه  ليس للوقوف مجال، فعلى الدوام يطلب المزيد من الملك العلام عزَّ وجلَّ ، ولا نهاية لمزيد فضل الله ، ولا حدَّ لخزائن عطاء الله ، ولا منتهى لجود الله وكرم الله .
فلماذا الوقوف يا أحباب الله؟ مع ما أعطاه الله لنا من عطاء، وما تجلَّى به على قلوبنا سبحانه وتعالى من علم ، أو حكمة ، أو فضل ، والله سبحانه وتعالى واسع عليم .
فعلى المؤمن أن يوسِّع أفقه دائماً ؛ لأن بعضنا يقف عند بعض الإشارات التي يسمعها، ويظن أنه قد بلغ المنتهى

{ ولا منتهى للواله الحيران }


( 1) عن ابنِ عباسٍ ، سنن الدارمي ، والمستدرك .

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

منقول من كتاب {إشراقات الإسراء الجزء الثاني}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]