بين الانتماء والاغتراب
الشباب كتلة مؤثرة تستطيع التغيير والتأثير بما فيها من طاقة كامنة وقوى متعددة في الكم والكيف، وتقدر على الانطلاق لتحقيق الطموحات وتعظيم المنجزات، شرط ان يعرف الشباب كيف يتوجه والى اين يسير، وان يحافظ على زخم هذا التوجه معتمدا على الاصول التاريخية والتراثية والدينية بوحي من الثقة بالنفس والقدرات الذاتية، ذلك لان الاهداف التي يتوخاها الشباب في مسيرة حياتهم ما هي الا استمرار للاجيال التي سبقتهم ومهدت الطريق امامهم، ليواصلوا السير في خدمة الامة، ونصرة الحق والدين، ووضع بصمة هذه المسيرة على خارطة التقدم والحرية.
والانتماء والاغتراب طريقان مختلفان يؤديان الى نتيجتين متناقضتين متباعدتين تباعد الخير عن الشر، والحق عن الباطل، او ان تكون او لا تكون، او ان تصل في النهاية الى النجاح او الفشل. والانتماء يعني ان يعيش الشباب معطياتهم الحضارية الخاصة بهم وهذا يقتضي الارتباط الوثيق بالتراث الاجتماعي والديني واستيعاب جميع المنجزات السابقة للبناء عليها، ومواصلة الانجاز وبناء حضارة مزدهرة ومتفتحة على العالم.
اما الاغتراب فهو الاستسلام لتيارات العولمة وتقليد الحضارات الاخرى بشكل اعمى يطمس معالم التراث بحيث تصبح شخصية الشاب نهبا لمشاعر مختلطة ومفاهيم متناقضة. ان الوسطية هي عماد الاعتدال الذي هو العمود الفقري للشخصية السوية والذهنية المستقيمة والطموح الناجح، وذلك يعني تكاتف القيم الانسانية الكبرى، كالحق والخير والجمال وسيرها جنبا الى جنب حتى لا تطغى قيمة على اخرى، وحتى لا تصبح بعض الاشياء هدفا بحد ذاته، تحرم الشاب من مجالات حيوية اخرى وتجعله اسير فكره او هدفا فهو في النهاية قيد وسجن للحرية والابداع واختزال للحياة، والعمل الجاد، بل انها تجعل الشباب فريسة للعاطفة الجامحة والمظاهر الفارغة والعبثية التي تذكر بعالم الاطفال. يقول عز وجل وتبارك وتعالى في القرآن